وتمكلة للجزء الاول من هذه المقالة القيمة
>>>>>>>>>>
>>>>>>>
>>>>
>>
سادسا: المصارحة بالحكمة:
ومن مبادئ الحوار الإسلامي الإسلامي أن يصارح بعضنا بعضا بالمشاكل القائمة، والمسائل المعلقة، والعوائق المانعة، ومحاولة التغلب عليها بالحكمة والتدرج والتعاون المفروض شرعا بين المسلمين بعضهم وبعض.
فليس من الحكمة أن نخفي كل شيء، أو نسكت عنه، أو نؤجله وندعه معلقا دون أن نجرؤ على إثارته أو الكلام فيه؛ فهذا لا يحل مشكلة، ولا يقدم علاجا، أو يقرب بين الفريقين خطوة واحدة.
من ذلك ما ذكرته للإخوة من علماء الشيعة حين زرتهم في إيران، وهو أن من المهم أن نراعي (فقه الموازنات) و(فقه الأولويات) في العلاقة بين بعضنا وبعض. فقد يتراءى للبعض أن ينشر المذهب الشيعي في البلاد السنية الخالصة مثل مصر أو السودان، ورأيي أن هذا عمل ضرره أكبر من نفعه؛ لأنه يثير فتنا وبلبلة في مجتمع واحد مستقر على السنة، ويحدث توترا وغضبا ضد الشيعة، في حين لا تكسب للشيعة من وراء ذلك إلا أفرادا معدودين هم في غنى عنهم. فأيهما أرجح في ميزان المصالح الحقيقية: إثارة شعب بكل فئاته ضد المذهب أم كسب أفراد منه؟
ومن هنا أقول: ينبغي للشيعة ألا يحاولوا نشر المذهب الشيعي في بلاد السنة الخالصة، ولا لأهل السنة أن ينشروا مذهبهم في البلاد الخالصة للمذهب الشيعي، إبقاء على الود، واتقاء للفتنة.
ومما صارحت به الإخوة في إيران ضرورة مراعاة حقوق الأقلية السنية بين الشيعة، أو الحقوق الشيعية بين السنة. وكان مما قلته للإخوة هناك أن في مصر أقلية قبطية، ولهذا يراعى في كل حكومة أن يكون لها وزيران أو ثلاثة على الأقل.
ومما قلته للإخوة أيضا في إيران: إن أهل السنة في طهران يقدرون بمليونين أو أكثر، وهم يطالبون منذ سنين بإقامة مسجد لهم، يجتمعون فيه لأداء فريضة صلاة الجمعة، ويشاركهم في ذلك السفراء العرب والمسلمون، فلم تستجب السلطات لهم حتى الآن.
سابعا : البعد عن شطط الغلاة:
ومن المبادئ التي تجب رعايتها في حوار المسلمين بعضهم مع بعض.. البعد عن شطط الغلاة والمتطرفين من كلا الفريقين، الذين يثيرون الفتن في حديثهم إذا تحدثوا، وفي كتابتهم إذا كتبوا، وإذا كانت الفتنة نائمة أيقظوها، أو ساكنة حركوها، أو ضعيفة تبرعوا لها من دمائهم حتى تحيا وتقوى.
وأقل مظاهر الاتحاد: الجانب السلبي منه، وهو طرح العداوة، وترك الجفوة؛ فلا يعادي بعض الأمة بعضا، ولا يجافي بعضها بعضا، ناهيك من أن يكيد بعضها لبعض، أو يقاتل بعضها بعضا.
ومن أبرز مظاهر الغلو الذي يجب أن يُجتنب: السقوط في هاوية (التكفير). وهو أمر خطير، تترتب عليه آثار هائلة؛ لأن مقتضى الحكم بالكفر على إنسان: أنك حكمت عليه بالإعدام المادي والأدبي: أي أهدرت دمه، وأخرجته من الملة، وحرمته من ولاء الأمة والأسرة، حتى لو لم يقم عليه حد الردة؛ فهو ميت أدبيا ومعنويا.
ثامنا : الحذر من الدسائس:
ومن المبادئ المهمة هنا أيضا أن نكون على حذر من كيد أعداء الأمة، ودسائسهم التي يريدون بها أن يفرقوا جمعها، ويشتتوا شملها، ويمزقوا صفوفها؛ فلا تتوحد على غاية، ولا تجتمع على طريق.
ومن المعروف أن الاتحاد قوة، بل الاتحاد يقوي القلة، والتفرق يضعف الكثرة، وما نال أعداء الأمة المسلمة منها إلا يوم تفرقت واختصمت واختلفت راياتها، وتعددت قياداتها، وتنازعوا فيما بينهم، فهيؤوا الفرصة لعدوهم أن ينفذ إليهم، وأن ينفث سمومه فيما بينهم، حتى يكيد بعضهم لبعض، ويذوق بعضهم بأس بعض، وحق عليهم قوله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46] وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"....
إن الأمة - بجميع طوائفها ومدارسها ومذاهبها وعروقها وأقاليمها- مدعوة لأن تستيقظ لما يراد بها، وأن تقف مع نفسها وقفة طويلة للحساب والمراجعة، وأن تعرف من لها، ومن عليها، من صديقها ومن عدوها، وخصوصا بعد حرب العراق وما وراءها من تداعيات وآثار، وظهور أمريكا قوة وحيدة، متألهة مستكبرة في الأرض، لا تُسأل عما تفعل، ولا تسأل عما تريد.
آن للضعفاء أن يتحدوا ليواجهوا القوة الطاغية، وآن للمؤمنين أن يتحدوا ليواجهوا الفرعونية الجديدة التي تقول للناس: أنا ربكم الأعلى.
تاسعا: ضرورة التلاحم في وقت الشدة:
وإذا جاز لبعض الناس أن يتفرقوا ويختلفوا في أوقات العافية والرخاء والنصر؛ فلا يجوز لهم بحال أن يتفرقوا في ساعات الشدة والعسرة والمحنة؛ فالمفروض أن المحن تجمع المتفرقين، وأن المصائب تجمع المصابين، وقديما قال الشاعر: عند الشدائد تذهب الأحقاد.
ونحن الآن نعاني محنا قاسية، وقوارع شديدة، في كل وطن من أوطاننا، وفي أمتنا بصفة عامة، وخصوصا بعد أحداث 11سبتمبر 2001م؛ فقد دخلت الأمة من مشرقها إلى مغربها في امتحان عسير، وموقف خطير، يستوجب منها عامة، ومن علمائها ودعاتها وفصائل صحوتها خاصة.. أن ينسوا خلافاتهم الجانبية، ومعاركهم الهامشية، ويقفوا في جبهة واحدة متراصة في المعركة التي يواجهها الإسلام وأهله؛ فعند المعركة يجب أن يتلاحم الجميع، ويتساند الجميع، ولا يعلو صوت نشاز، يفرق الأمة في ساعة الخطر، كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف: 4] ....
والمسلمون -وحدهم- هم الذين يختلفون ويتنازعون بعضهم مع بعض، مع توافر الكثير من أسباب الوحدة بينهم، وحسبهم أنهم جميعا من أهل القبلة، وأنهم جميعا من أهل (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وأنهم جميعا رضوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
وأختم بحثي هذا بقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 10).
وأدعو الله تعالى بما دعا التابعون بإحسان، الذين جاؤوا من بعد المهاجرين والأنصار، يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10]